☆... رمز الهدهد ... ☆
☆... The Symbol Of The Hoopoe ... ☆
المقال سيكون في هذه المرة عن رمز مثير لﻹهتمام من
حيث الرمزية عند حضارات التاريخ القديم أو باﻷحرى
في ميثيولوجية مصر القديمة دون غيرها بإعتبار التداول
المكثف في ثقافتها دون باقي اﻷمم ، لذا جدير بي أن
أشارككم القليل من معلوماتي عنه ...
مستهل بحثنا سيكون من مقابر الدولة المصرية القديمة
حيث يظهر رمز الهدهد بشكل لا بأس به في معظم مدافن
العهد القديم فنراه متجسد في كثير من المشاهد
الهيروغليفية بحيث نجد صاحب المقبرة أو واحد من
أبنائه و قد أمسك في يده هدهدا أو أكثر ...
و هذا ما يطرح العديد من التساؤلات حول سبب وجوده
و الغاية من ذالك ، أما بداية اﻹجابة فتكون بمميزاته
المتفردة عن باقي الطيور و دوره الرمزي بين طيات
الأسطر التالية ... :
خلال تطلع المصري نحو إستعاب و إدراك ظواهر الطبيعة
العجيبة تنبه لظاهرة غريبة ، أسلوب فريد في سلوك
طائر الهدهد ، لاحظ قدرة هذا الطائر الصغير على رؤية
الديدان من وراء سطح التربة أثناء طيرانه في الهواء
فتعجب إلى تلك الحاسة التي تدرك ما لم تدركه باقي
المخلوقات ...
وجد فيه المصريين رمزا للرؤية العميقة لﻷشياء ، يبدوا
و كأنه يمتلك عينا أخرى غير العين التي ترى المادة
عينا خاصة ، ثالثة ، ترى ما وراء اﻷشياء
تلك الحاسة الثاقبة التي تتجاوز الظاهر و تتمعن في
الباطن ، التي ترى الشئ الخفي ، المحجوب و ما عجزت
عنه باقي المخلوقات ...
بحكم التطابق ، عثر المصري على المثال المتجسد ، ميزة
تجمع بين حاسة الهدهد التجاوزية و عين حورس أو عين
البصيرة ، العين التي ترى كل شئ ...
ربطوا بين تلك القدرة الخارقة لطائر الهدهد على رؤيته
التجاوزية للعالم المادي و بين البصيرة و عالم الروح ، ذالك
العالم الذي لا يصل إليه أي إن كان إلا من حاز على حاسة
الهدهد و ملكة بصيرة حورس ...
خرج القدامى بملاحظة ميزة أخرى أثناء تأملهم في طريقة
طيرانه ، يجوب اﻷفق العالي و كأنه يسبح ، يطير منفردا
مخالفا بذالك باقي اﻷصناف الطيارة و التي تعلوا في
السماء ضمن أسراب ...
يجيد التخفي و المراوغة ، يمتاز بالذكاء حيث يتخذ
أوضاع طيران مختلفة ، متغيرة ، مرة لﻷعلى ثم إلى اليمين
و إلى اليسار ، طارة لﻷسفل فيصعب إصطياده حتى لو
سئلت الصيادين " قالوا لك ليس ضالتنا ، يستحيل خداعه "
من ثم يكون اﻷنسب لحمل الرسالة من عالم إلى عالم
عالمي الروح و المادة مع ضمان السرية التامة ...
بذالك أتخذه المصري رمزا للعالم اﻵخر ، رمز إستلام الرسائل
من عالم اﻷرواح ، إختاره دون سائر الطيور رغم كثرتها ...
كلف بمهمة الرسول رغم وجود نوع أخر من الطيور
يصلح للمهمة كالحمامة الزاجل الذي لديه بدون شك
قابلية ملاحية في معرفة اﻹتجاهات غير أنه لا يمتلك
خاصية المراوغة أو الدفاع عن نفسه حالة مهاجمته
باﻹضافة إلى أن الحمام لا يستطيع إكتشاف مصدر المياه
و لا يحتمل الجوع أو العطش ، ضعيف أمام مغريات
إشباعه عند ذالك يسهل صيده ...
لاكن الهدهد يجيء فينقر الأرض, فيصيب الماء
فكيف يبصر هذا ...
و لا الجارحان الكبيران الصقر و الشاهين فهو يتفوق
عليهما بصغر حجمه و تقنية المراوغة زد على ذالك حجمهما
الكبير الذي يعيقهما عن التخفي و بالتالي سهولة الصيد
أم الهدهد فقدرته في السماء هي ذاتها على اﻷرض
سريع الجري و التنقل ....
لذا لا يصلحان لحمل الرسالة فالهدف منها ليس توصيلها
فقط بل المهمة اﻷصعب هي المحافظة على سرها
و إصالها مهما كانت الصعوبات ...
يجب أن تكون محجوبة لا يدرك معناها سوى من
هو مؤهل بتلقيها و فهمها ...
رسالة أن تكون مرمزة لا يستلمها و لا يدرك خفاياها
غير من كان أهل لذالك ...
لقب رسول العالم اﻵخر لا يليق بمقامه إلا طائر الهدهد
ليكون رمز الرسائل المشفرة التي تأتي من عالم اﻷرواح
و الممسك به بين يديه له أهلية إستلام الرسائل و القدرة
على تفسير شيفراتها ، رموز عالم الروح ذالك الجزء من
العلوم السرية التي إزدهرت في مصر القديمة لتكون
منطلق باقي المدارس في الحضارات الموالية ...
تفطن المصري أيضا لسلوكه الدفاعي و لم يتغافل عنه
الطائر الذكي يفرز مادة و يبثها من أسفل ذيله
لها رائحة كريهة طاردة لكل من يقترب منه ليكون
عشه حصينا من كل خطر محدق ...
هذا ما يفسر تصوير الهدهد على جدران المدافن
فهو بمثابة الحامي و جدار الصد الذي يطرد لصوص
المقابر ، آمنة من أي تطفل و إعتداء ...
ذاك الطائر المقدس الذي يظهر دائما في أيادي أرواح
الموتى الذي يحمل فوق رأسه تاجا و كأنه ملك الطيور
من بين الرموز تصويرا في فن الدولة القديمة ، نقش
بعناية شديدة بتفاصيل تظهر و كأنها تنبض بالحياة ...
رمز البصيرة النافذة ...
هو طائر غريب ، ذكي ، مراوغ يرى ما لا تراه البقية ...
يدرك ما لا يدركوه ...
على رأسه تاج ...
كرسول للعالم اﻵخر ...
☆ ... إثراء للمقال :
يقول الصفورى فى كتاب نزهة المجالس ،
لما أرسل سليمان الهدهد الى بلقيس برسالته ، قالت له الطيور
كيف تذهب وحدك .
قال : " من كان معه بسم الله الرحمن الرحيم لايضام " .
فوضع الله التاج على رأسه الى يوم القيامة ، فمر
على 4000 صياد رموه فما اصابوه شيئا .
طائر منحه الله صفات خاصة ، مكرم في القرأن الكريم
و قصته مع النبي سليمان عليه السلام و لماذا أختير
من بين كل الكائنات ( ... أحاط بما لم يحط به و جيء
بالنبأ اليقين ... )
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) { النمل }
ليس المهم أن تعرف أسماء الرموز
بل اﻷهم أن تفهم و تدرك معانيها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق