الجمعة، 8 فبراير 2019

رمز السقرب Symbol Of The Scarab



 رمز السقرب  Symbol Of The Scarab

خلال تفحص المصريين للبيئة الطبيعية المحيطة بالنيل حيث
الضفاف الرملية المنحدرة إلى مياه النهر ، و التي فيها الوحل
في المواسم الجيدة ، لاحظوا أمر مثير لﻹهتمام يتعلق بحشرة
صغيرة من فصيلة الخنافس ، تسمى
" السقرب " " Scarab " أو " الجعل " ، هذا الخنفس الصغير
كان مجتهدا في عمله ، حيث يضع بيوضه في
كرة من الوحل أو روث البقر
ثم يدفع هذه الكرة برجليه الخلفيتين صاعدا على قمة
منحدر صغير بجانب النهر و ذالك بمسيرة خلفية ، عندما يصل
إلى قمة المنحدر يقوم الجعل بإفلات الكرة لتتدحرج نحو اﻷسفل
ثم يعود و يدحرجها صعودا إلى القمة مرة أخرى
ثم يفلتها و هكذا ...
ما يحاول الجعل فعله خلال هذه العملية الشاقة و المملة هو جعل
كرة الوحل تتخذ الشكل الكروي بأكبر درجة ممكنة و ينجح بالفعل في
جعلها تبدوا في النهاية كروية تماما ، بعد إنتهائه من هذه العملية
يدحرجها بعيدا عن ضفة النهر و إلى أي مكان مناسب لتفقس
البيوض التي بداخلها .
مثلت هذه الحشرة رمز مهم جدا بالنسبة للمصريين القدامى
و قد ربطوها بطريقة معينة بالشمس ، مثلوا الشمس بكرة الوحل
التي يدحرجها الجعل فالشمس أيضا تحوي بذور الحياة ، أصبح
الجعل معروفا لاحقا بإسم " خفي رع " " Khepera "
و هذه الكلمة اﻷخيرة لها معنيين مختلفين في اللغة المصرية
القديمة ...
هي تمثل أحد اﻷلقاب ﻹله الشمس ، حيث " رع " يمثل أحد
أسماء الشمس ، و بالتالي يمثل الجعل رمز مرتبط بشكل وثيق
بالشمس .
المعنى اﻵخر لهذه الكلمة هو " الصيرورة " ( أي الشئ الذي
يصير ) ... أو ( الشئ الذي على وشك أن يكون ) و أحيانا
يستخدموا الكلمة لﻹشارة إلى ذالك الذي هو كلي الروعة و كلي
البهاء .
يمكننا إستنتاج معنى آخر يشير إلى عملية تحول حيث ينتج كائن
حي جديد ، و هذا بالظبط ما يحصل مع كرة الوحل التي يدحرجها
الجعل و تحتوي بداخلها البيوض التي هي بذور حياة جديدة .

الجعل إذا لا يمثل الشمس بل يمثل القوة التي صنعت الشمس
و زرعت بذور الحياة فيها ، و بهذا يصبح الجعل يتمتع بقدسية
رفيعة المستوى لدى المصريين .
كان المصريين يمثلون الشمس أحيانا في الكتابات التصويرية
و اﻷعمال الفنية بحيث يظهر الجعل في مركز الشمس ، كان
الجعل يصور أحيانا فاردا جناحيه الملونة بألوان جميلة تمثيلا لفصول
معينة و أحيانا أخرى يصور و هو يخفيها تحت قشرته القاسية
تمثيلا لفصول أخرى .
ترى صور و منحوتات ممثلة لهذه الحشرة في الكثير من المتاحف
اﻷثرية و أكبرها و أكثرها روعة هي تلك المنحوتة البازلتية
الموجودة في المتحف البريطاني التي يبلغ طولها متر و نصف المتر
و هي محفورة بطريقة مذهلة ، و تمثل إله الشمس أو اﻹله
" خفي رع " " Khepera " .

الجعل هو رمز اﻹله " خفي رع " الذي يمثل الباعث الروحي العازم
للخلق أو العامل المجدد أو المجسد أو المسير للخلق ، يعتبر
السقرب عموما لدى المصريين بأنه ( رمز القيامة و البعث
من جديد ) و ذالك بسبب العمل الذي تميز به في دحرجة كرة الوحل
المحتوية على بيوضه التي سوف تفقس لاحقا حيث تنبعث الحياة
من جديد ، هذه العملية تمثل المستوى اﻷصغر لما يحصل على
المستوى اﻷكبر ، إذا كما في اﻷسفل كذالك في اﻷعلى .
و كما حالة كرة الوحل الحاوية على البيوض و التي يدحرجها
الجعل كذالك الحال مع الشمس المحتوية على بذور الحياة و التي
تسيرها القوة اﻹلهية أو " خفي رغ " .

هناك فكرة مهمة يمكن إستنتاجها بخصوص اﻹله " خفي رع "
التي يمثله رمز الجعل و هو مبني على المقولة الهيروغليفية
( أنا " خفي رع " في الصباح ... و " رع " في الظهيرة ...
و " تامو " في المساء ... )
و هذا يذكرنا بالحركة ثلاثية اﻷطوار للمحتوى اﻹلاهي
) أي طور الدفع ، طور الحركة و طور العطالة )
و هو قانون يحكم كافة أنواع الحركة في الوجود بما في ذالك
حركة الشمس التي تمر في ثلاثة أطوار قبل أن تختفي بعد
الغروب حيث الطور الرابع أي أن " خفي رع " يمثل النبضة اﻷولى
التي حفزت المحتوى الكوني ، أي الدفعة اﻷولى لعملية الخلق
و بالتالي هو يمثل القوة المحفزة لكل النشاطات الحاصلة على
كافة المستويات
أي هو يمثل عنصر " النار " وفق مفهوم العناصر اﻷربعة أو
العنصر المحفز أو المهيمن وفق مبدأ " الثالوث " هو القوة التي
كانت أول شئ تجلى في مسرح الكون الذي سماه المصريون
" نو " " Nu " و يعتبر هذا اﻷخير " نو " والد أول زوج من
اﻵلهة الوليدة في عملية الخلق و هما " شو " " Schu "
و " تفنوت " " Tefnut " و تعتبر الشمس المركزية " رع "
بأنها تمثل عين " نو " .
عندما تجد رمز السقرب في الكتابات الهيروغليفية أو النقوش الفنية
ممسكا بقرص الشمس فتيقن أنه رمز " خفي رع " ( المبدأ
الخالق للشمس )
السقرب إذا يرمز إلى القوة المحفزة على التجديد الدائم و الولادة
من جديد ، القوة الدافعة للحياة كما أنها تعتبر لدى المصريين
القوة وراء عملية التجسد مرة أخرى بعد الموت الجسدي ، أي
التناسخ ...
هذا الرمز اﻷكثر تقديسا لدى المصريين يثبت دون شك بأنهم
كانوا يؤمنون بظاهرة التقمص أو تناسخ اﻷرواح أو إعادة تجلي
الذات اﻷبدية بشكل متكرر بصيغة مادية عبر سلسلة من الحيوات
المختلفة ، و هذه العقيدة التي تأخذ بها التعاليم السرية ،
كانت سائدة بين كافة الحلقات الكهنوتية في معابد كل الحضارات
التي إزدهرت حول العالم في العصور القديمة .

خلال ممارستهم الدينية إستخدم المصريون الجعل بأكثر من طريقة
يتمثل إحداها بإستبدال القلب في جثة المومياء بمنحوتة أو تميمة
على هيئة سقرب و يبلغ طولها سبعة سنتمتر تقريبا و تسمى
" جعل القلب " ، كانت توضع في تجويف القلب بعد نزع هذا
اﻷخير من الجثة ، كان يكتب على هذه المنحوتة مقاطع مأخوذة
من كتاب الأموات و تشكل ( نوع من الصلوات تسأل اﻹله
" أمنتب " أن يسمع صلاة قلب الميت و يبعثه بأمان عبر
غموض الموت إلى العالم اﻷبدي الجميل )
و بالتالي كان الجعل يمثل ( رمز للبعث من جديد ) .

هو كائن ينتمي لﻷرض لكنه يستطيع فتح جناحية و الطيران
بعيدا في السماء ، لقد أصبح الجعل شعار يمثل الشمس
و تصور سفينة الشمس في اللوحات الفنية و هي مدعومة
بأطراف السقرب الذي يمثل اﻹله " خفي رع "
و قد إرتدى الفراعنة تمائم على شكل سقرب بصفتها تمثل
( رمز لسلطتهم الدنيوية و الروحية معا )

لم يلقى السقرب نفس المكانة لدى الحضارات الوريثة أو حضارات
السطو أقصد اﻹغريقية و الرومانية لسببين أولهما عدم تواجد
هذه الحشرة بكثرة في تلك الظروف المناخية و البيئية المغايرة لمناخ الشرق و العالم القديم و السبب الثاني أخذوا عن المصريين
رمز العقرب كبديل شبيه بالسقرب في الشكل و بعض الميزات
هذا ما يفسر ندرة إستخدام هذا الخنفس لدى الحضارتين
اﻹغريقية و الرومانية .
حتى أن وجد رمز السقرب ولو نادرا فليس لدلالات تكنيزية بل عقائدي صرف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق