الخميس، 17 يناير 2019

الطوفان العظيم بين الأسطورة والواقع التاريخي


الطوفان العظيم بين الأسطورة والواقع التاريخي
أن الباحثين يرجّحون حدوث الطوفان في القسم السهلي الرسوبي من جنوب العراق
في زمن يُقدّر ب 3500 عام ق.م. ـ أي قبل 5500 سنة.
ويتساءل
هل كان الطوفان حدثًا تاريخيًا وقع فعلاً
أم أنه من باب الخيال الأدبي الذي جادت به قريحة الكتّاب العراقيين القدما؟
ومعلوم أن ” حدث ” الطوفان مذكور في المدونات المسمارية الرافدينية
كما ورد ذكره أيضًا في سفر التكوين التوراتي،
وتفاصيله في هذا السفر كثيرة الشبه بالمدوّنات الرافدينية المسمارية
التي يغلب عليها الطابع الأسطوري.
أن ” جميع المؤشرات” تؤكّد أن الطوفان قد حدث حقيقةً،
وترك بصماته وتُيأثيراته على عقول وتصوّرات الناس في السهل الرسوبي المذكور آنفُا،
- إن الطوفان مذكور في الأساطير الإغريقية،
كما في كتاب الصابئة المندائيين المقدَس (كنزا ربّا)
الذي ينص على - مرور البشرية بمرلحل تدمير هذا الطوفان.
- إن المغزى الذي يُستقى من الأساطير الوثنية،
كما من نصوص الكتب المقدسة التوحيدية،
هو أن تفاقم شرور وآثام البشر، وما اكتنفها من فساد وسفك،
قبل مولد الأنبياء بقرون عدّة، بسبب الإبتعاد عن سبل الحق والعدالة والصلاح،
كل ذلك قد استوجب غضب الله البارئ على خلائقه الآدمية،
فشاءت مشيئة الخالق غسل البسيطة المسكونة من كل أرجاس وأدران ومفاسد الأرض.
لكن الإكتشافات العلمية الحديثة ـ
بخصوص هذا الحدث الطوفاني الهائل،
الذي غيّر وجه الأرض والتاريخ البشري ـ
أثبتت بالأدلّة القاطعة أن
” طوفان نوح” قد حدث فعلاً قبل زهاء 7600 ـ7500 سنة،
أي قبل زهاء 2000 سنة من التاريخ الذي أورده الباحثين : 3500 سنة ق.م.،
ولكن ليس في السهل الرسوبي من جنوب العراق فقط ،
بل قبلاً وفي منطقة واسعة جدًا،
محيطة بالبحر الأسود الحالي من كل جوانبه، شملت أصقاعًا فسيحة من جنوب أوربا شمالاً،
وأرجاءً من آسيا الصغرى (ألأناضول)
وبلاد ما بين النهرين (الهلال الخصيب) جنوبًا.
عن هذه الحقيقة، صدر كتاب علمي اكتشافي باللغة الإنكليزية في عام 1999
لمؤلّفَيه العالمين الجيوفيزيائيين (وليم ريان) و (والتر بتمان) في 320 صفحة
وصدرت ترجمته العربية في عام 2005 في بغداد عن (مطبعة النهار الجديد)
لناشريه مجلة الفكر المسيحي البغدادية، وبيت الحكمة، بغداد
عنوانه (طوفان نوح)، ترجمه فارس بطرس
وراجعه أولاً وأشرف عليه وقدّم له الأب الدكتور يوسف توما

لقد فتّش علماء الآثار في حوضَي دجلة والفرات
طولاً وعرضًا، باحثين عن دليل على نظير هذا الطوفان، لكن بلا جدوى.
ثم عندما حقق علماء الأرض إكتشافات جديدة بخصوص تاريخ تغيّر المناخ السريع،
علموا أن البحر الأبيض المتوسط كان في وقت ما صحراءَ،
وأن المحيط الأطلسي إندفع بقوّة من خلال مضيق جبل طارق،
وأعاد ملء البحر الأبيض المتوسط قبل خمسة ملايين سنة مضت.
فطرح الجيوفيزيائيان (ريان) و (بتمان) تساؤلهما العلمي:
هل ممكن أن يكون أصل قصة طوفان نوح كارثة مشابهة وأكثر حداثةً ؟
بعد انتهاء الحرب الباردة بين الدول الغربية الرأسمالية،
وبين دول المعسكر الإشتراكي، أُتيح للعالِمَين (ريان) و (بتمان)
أن يكوّنا فريقًا بمعيّة علماء محيطات من بلغاريا وروسيا وتركيا،
لاستكشاف البحر الأسود (بحر البنط).
وباستخدامهما الأجهزة الصوتية والتنقيبية لِسَبر قاع البحر
إستطاعا إكتشاف دليل واضح على أن هذا الجزء الداخلي من المياه كان في وقت ما بحيرة وسيعة للمياه العذبة
عمقها مئات الأقدام تحت مستوى محيطات العالم .
وأثبتت التنقيبات المتطورة لتحديد التاريخ أنه قبل 7600 سنة سلفت
إندفعت البحار المتعاظمة من خلال وادي البوسفور الضيّق، وصبّت مياه البحر الأبيض المتوسط المالحة
في البحيرة المذكورة بقوة لا يمكن تصوّرها، متدّفقة فوق الشواطئ والأنهار
ومدمّرة أو مطارِدة جميع أشكال الحياة في طريقها.
وقد أصبحت عموم ” البحيرة”ـ التي كانت قبلاَ واحة فريدة وجنّة عَدْن
لحضارة متقدمة في منطقة شبه صحراوية وسيعة ـ بحرًا
من الموت، فهرب السكّان منه إلى غير رجعة -
لقد تسنّى للباحثَين العالمَين المذكورين استكشاف الأدلّة الآثارية والوراثية واللغوية المثيرة
التي أفضت إلى أن الفيضان قد تسبب قي حدوث تشتت بشري سريع،
إمتدّ إلى غرب أوربا، وآسيا الوسطى (تركيا الحالية) والصين ومصر والخليج العربي،
وإلى أن شعوب البحر الأسود
يمكن أن يكونوا أصل السومريين الذين أسسوا أول حضارة في بلاد ما بين النهرين ـ منبع حضارة العالم (ص 12) .
فهل يمكن أن يكون الناس الذين هربوا من فيضان البحر الأسود، ثم نسلهم، قد حافظوا لآلاف السنين،
على القصص التي غدت لاحقُا الأساطير المعروفة لدينا اليوم؟
فالباحثان في كتابهما يُطلعان القرّاء على أن رواة قصص الفيضان ـ وهم أمّيون ـ درجوا في القرن العشرين
على سرد ألاف السطور من الحكايات التي تمّ تناقلها بأمانة كبيرة خلال الأزمنة.
وبذا، فهما في الكتاب يناقشان أسطورة الطوفان العظيم كرواية شفاهية محتفظة بذكرى الحادثة المأساوية
الحدث المُمَيّز الكبير في تاريخ البشرية. فلا ريبَ أن لطوفان نوح جذورًا عميقة وقويّة في العِلم المعاصر
إذ هي قصة مذهِلة وتلقي ضوءًا جديدًا على جذورنا، وتعطي معنى متجددًا للأساطير القديمة
جدير بالملاحظة هنا أن سفر التكوين التوراتي يذكر أن مياه الغَمر العظيم
” قد تفجّرت من اللجج العميقة في باطن الأرض
وهطلت من السماء مدرارًا وبغزارة متواصلة طيلة أربعين نهارًا وليلةً .
أنظر بداية الفصل السابع من السفر.
وهذه المياه عذبة، في حين أن المياه التي ذكرها العالِمان كانت مالحة
وقادمة من البحر الأبيض المتوسط
بدفق وزخم شديدين لتخترق مضيق البسفور
وتملأ البحر الأسود المنخفض مستوى مائه العذب أصلاً
ولتغمر أصقاعًا شاسعة جدًا
في هذا الصدد، أقول:
شاهدتُ قبل زهاء شهرين شريطًا سينمائياً عن طوفان نوح في أربيل
ومما جلب انتباهي أن قرينة نوح أصرّت على بعلها بالسماح لإحدى
“بنات الناس” أن تدخل الفلك وهو بعدُ في قَيدِ صنعه لتغدو قرينة أحد أبنائهما الثلاثة
وذلك بقصد استمرار تناسل الجنس البشري بعد الطوفان، لأن نوحًا كان قد هرم أنئذٍ وبلغ عمره 600 سنة.
لكن قرينها رفض إرادة حليلته، لأن بنت الناس تلك كانت من ضمن الناس المغضوب عليهم
ومن الأثمة والأشرار الذين كتب الله عليهم أن يهلكوا بالطوفان؛ لكنه نزل عند رغبنها واعتذر لها
في حين أن سفر التكوين التوراتي يذكر إن الفلك قد ضمّ ثلاث نساء من بنات الناس هنّ زوجات أبنائهما الثلاثة!
والآن، وقد بُلِّغَت البشرية بالرسالات السماوية الثلاث
وبلغ مدرج الحضارة هذه المرتبة الحالية من الإرتقاء،
وفي ظل شرعة حقوق الإنسان
لكن مع كل ذلك قد عمّت المفاسد، وشاعت المحرّمات،
وسادت المآثم والجرائم والمظالم كل أرجاء المعمورة
فبلغت ألف ضعف ما كان سائدًا أيام طوفان نوح،
ألا تستحق أرضنا اليوم أو وشيكًا طوفانًا أعظم ومن نوعٍ آخَر ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق